للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن أمزّق صفحاته أو أن تتمزق أعصابي، وكأنه لا يشفي نفسي إلاّ أن أضرب به أو برأسي الجدار! ووجدته أقوى الوسائل لتنفير الطلاّب من الثقافة الإسلامية وتسويدها في عيونهم.

وأنا أذكر أول درس حضرته في كلية الحقوق في دمشق سنة ١٣٤٨هـ، من نحو ستين سنة، وقد دخل علينا الأستاذ فكان مما قال لنا: لقد انتقلتم اليوم من مرحلة التلقّي والحفظ إلى مرحلة الاعتماد على النفس والمشاركة في البحث، فأنا أُلقي عليكم المحاضرة وأدلّكم على المراجع، ولكني لا أُلزِمكم كتاباً تقرؤونه ولا أقبله منكم لو اقتصرتم عليه. أنا أريد أن أربّي العقل لا أن أقوّي الذاكرة، ففكّروا برؤوسكم لا برأسي أنا، وإذا انتهيتم إلى رأي يخالف رأيي وكان لكم عليه دليل قبلته منكم وأعطيتكم عليه الدرجة العالية في الامتحان.

وكان هذا الأستاذ هو المسيو ستيف، المستشار التشريعي يومئذ للحكومة السورية. ولا يمنعني أنه فرنسي من أن اشهد له بالحقّ أنه عالِم.

والنجّار وأرباب المهن يعلّمون الأجير أولاً بألسنتهم، ثم يُشهِدونه عملَهم، ثم يكلّفونه أن يباشره بيده فيقومون عليه يصحّحون له خطأه، ثم يدَعونه يستقلّ بنفسه. فهل يكون النجارون والحدادون وأصحاب المهن والصناعات أعرفَ بوجه الصواب من أهل الجامعات؟ وإذا قرّرنا كتاباً واحداً لطلاب الجامعة، يُلقي المدرّس عليهم ما فيه ويحفظون هم ما يُلقيه ثم يضعونه في ورقة الامتحان، لم يبقَ من فارق بين المدرسة المتوسطة والثانوية وبين

<<  <  ج: ص:  >  >>