للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعر المنثور، الذي سُئل عنه الأستاذ المازني يوماً فقال (على عادته في السخرية والتهكم): هو نثر مشعور.

وأنتم تعرفون أن الزجاج إذا انشعر انكسر.

أما هذا الكلام المصفوف صفاً الذي يُنشَر اليوم في الجرائد على أنه شعر وعلى أن أصحابه شعراء، فما فيه من الشعر إلاّ أنه طُبع على هيئة أبيات القصيدة، فهو شعر المسطرة! أمّا موسيقى الشعر وطرب الشعر وسموّ الشعر، فما فيه منه شيء.

وهؤلاء أدباء على طريقة خادم موليير في قصته المعروفة حين علم أن كل ما ليس بشعر يكون نثراً، فجعل يرقص من الفرح لأنه يتكلم بالنثر ولا يدري.

أنا أعرض الآن في خيالي شريط حياتي (وقد مُحي كثير من صوره، وإن بقي فيه كثير) فأرى عالَمنا الذي فُتحت عليه عيوننا ونحن صغار يختلف عن عالَم الناس الآن، بينهما هوّة أوسع من أن يقفز عليها الأديب بمقالة أو مقالات: دنيا ذهبَت وجاءت دنيا أخرى، عالَم بُدّل غيرَ العالَم.

على أننا لا نستطيع أن نقول إن كل ما مضى كان خيراً ولا إن ما جاء شرّ كله (كما يقول لِداتي من الشيوخ في أحاديث الذكريات). وكيف ونحن الآن أعلم بحقائق الكون، وأوسع إدراكاً لمظاهر الحياة، وفقهاؤنا اليوم وإن كانوا أقلّ حفظاً للنصوص فهم أكثر فقهاً لها وإدراكاً لمقاصدها؟

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>