للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا أحسن أو إنهم كانوا أسوأ، بل أقول إنهم تغيروا، «ومَنْذا الذي يا عزُّ لا يتغيّرُ؟» (١).

وهبْ أن مصر ما تبدّلت، أفما تبدّلت أنا؟

نحن نرى الدنيا من خلال نفوسنا، كالذي يبصر وعلى عينيه النظّارات: إن كانت النظارة دخانية رأى الدنيا معتمة، وإن كانت زهراء رآها مشرقة، وإلاّ فلماذا يصف الشاعر الفَرِح الدنيا ضاحكة ويصفها الحزين باكية، والدنيا هي الدنيا ما ضحكت ولا بكت؟ ولو كانا مصوّرَين لملأ الأول لوحته بالألوان القاتمة وجعلها الثاني زاهية الألوان، والمشهد واحد أمامهما. ألا يمكن أن تكون فلسفة التشاؤم عند بعض الفلاسفة آتية من صداع ملازم أو عسر هضم، سوّأ عيشه وسوّد الدنيا أمامه؟ فما قيمة فلسفة كان يهدمها دواء مُسَكّن أو عقّار (٢) هاضم ثمنه نصف ريال؟!

لقد كانت صورة رائعة لمصر تلك التي انطبعت في نفسي ساعة وصلت إليها، ولكني لم أستخرجها وأحتفظ بها بل صوّرت المشهد بعدها من غير أن أدوّر «الفلم»، فجاءت عشرات من الصور بعضها فوق بعض، فتداخلت خطوطها واختلطت معالمها ولم أعد أستبين واحدة منها.

فهل أسجّلها الآن بعدما مرّ عليها أربع وخمسون سنة؟ بعدما


(١) الذي اختاره العلماء أن تُكتب «مَنذا» موصولة الحروف كالكلمة الواحدة. والنداء المرخَّم (كقوله: يا عزّ) يجوز بفتح الزاي أو بضمها. وهذه فائدة على الهامش.
(٢) واحد العقاقير عقّار بالتشديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>