للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعني مكاناً يبيع الحمّص والفول، وكان فارغاً فقعدنا وأكلنا، وهي لا تعرف كيف تأكل والناس ينظرون إليها: أتكشف وجهها أم تأكل والخمار مُسدَل عليها؟ ومرّ الأمر بسلام فلم يكُن هناك أحد. وخرجنا نرى البلد، فمن جهلي دخلت المرفأ المظلِم بدلاً من أن أقصد الشوارع المضيئة، ثم خفت أن يظنّ الناس بنا شراً إذ يرون شاباً وبنتاً منفردَين في المرفأ الخالي فخرجنا، ولم أهتدِ إلى طريق البلد، فأظهرت أني أريد النوم حتى ننهض مبكّرَين لنلحق القطار، مع أن محطة القطار إلى جنبنا ما فارقناها ولا ابتعدنا عنها.

وأصبحنا فركبنا قطار فلسطين، ومرّ على تلك البلاد والبساتين التي كانت جنّات أضعناها لمّا تركنا الواغلين يدخلون علينا، وبعناهم أرضنا، واختلفنا وتنازعنا حتى اتحدوا علينا، وأعانهم ناس ليسوا من دينهم ولكن عداوتنا وبغضهم لنا وحّدَهم علينا.

ولمّا قطعنا الترعة وصرنا في قطار مصر أمنتُ وسكنَتْ نفسي. لقد عرفت أني سألقى مَن يستقبلني ويدلّني وسأطرح ثقل الأمانة عن عاتقي. ومررنا بالقرى والمدن، فصرت أتطلع إليها مطمئناً وأتأملها، وأستمتع بجِدّة المناظر والوصول إلى ما كنت أعدّه من المجهول، حتى إذا قيل «هذه مصر» ورأيت محطّة باب الحديد، رأيت شيئاً عظيماً كان فوق ما كنت أتخيل.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>