وَجِل منها خائف من شرّها، فإذا هي طيّارة صغيرة فيها سبعة مقاعد والطيار ومعاونه قاعد معنا في مقدّمتها، ولم يكن فيها إلا راكب واحد علمت أنه يهودي. فكان الطيار يحدّثني طول الطريق، فأقول له: كيف تترك مقود الطائرة؟ فيضحك ويقول: هل تصطدم بالجدار أو تسقط في حفرة؟
وبلغت مصر فكتبت في الرسالة مقالة عنوانها «عشرة أيام في الشام»، أغضبَت ناساً وأرضت ناساً، وصورت حقيقة وتضمّنت نصيحة (١).
* * *
(١) ورد اسم هذه المقالة في الطبعات السابقة من الذكريات «عشرة أديان في الشام»، وهو خطأ صوابه ما أثبتّه هنا. في أولها: "يُمضي المسافرُ أياماً طِولاً لا يقطع فيها إلا أذرُعاً من طريقه، ثم يجتاز الفراسخ والأميال في ساعات. ويعيش المرء سنين لا يفهم فيها من أسرارالحياة ولا يرى من معالم الكون إلا الأقل، ثم يرى في لحظة واحدة أخفى المعالم ويفهم أعمق الأسرار. وكذلك كان شأني: سرت على طريق الحياة قريباً من أربعين سنة، فلم أدرك من حقائق الحياة حولي ولم أعرف من خلائق الناس مثلَ الذي أدركته وعرفته في هذه الأيام العشرة التي «طرت» فيها فجأة إلى دمشق ثم عدت طائراً منها". وفي آخرها: "لقد كانت تجربة لن أعيدها ولو جرّتني إليها كل حروف الجر. لقد كانت تجربة تعلمت منها دروساً جمّة، أهمها أني لست مخلوقاً للسياسة. إن السياسي هو الذي يقول للحمار: أنت غزال بأذنين طويلتين. وأنا لا أقول للحمار إلا ياحمار! فإن غضب فدونَه «بردى» فليشرب منه ما يشاء! " (مجاهد)