أعرف الأستاذ أحمد أبا الفتح ركناً من أركان الصحافة في مصر يوم كان الصحفيون يكتبون ما يشاؤون، يعبّرون عن رأي الشعب أو رأي فريق من الشعب، لم يكونوا قد صاروا موظفين يقولون ما يُقال لهم ويردّدون ما يُلقى عليهم. على أني أسارع فأقول: إن ذلك الداء قد أوشك بحمد الله أن يزول، وإن الصحّة بدأت تعود، وإن مصر اليوم في ما يشبه عهد النقاهة من المرض: لا المرض متمكّن منها ولا الصحّة عادت إليها، فوجهها مصفرّ من أثر الداء، والكيس خالٍ مما أنفقَت في ثمن الدواء، ولكن الأمل قوي بالشفاء.
وقد تفضّل فنقل فقرات مما كتبت، منها أني قلت عن مصر إنها أم دنيا العرب وأوسمها سمة (كذا)، والذي قلته: وأوسعها سعة، ولو أردت ذلك لقلت وسامة لا سمة. ويشكرني على أني أحب مصر، مع أني تلقّيت يوم صدور العدد الذي كتب فيه رسالة لو صدقتُ في وصفها لقلت إنها رسالة بذيئة، يسبّني مُرسِلها أشنع السبّ لأني أكره -كما يقول- مصر.
وهذه «شنشنةٌ أعرفها من أخزَمِ»؛ فأنا متّهَم دائماً بكراهية مصر، من يوم كنت في العراق وكان الخلاف بيني وبين المفتّش المصري سنة ١٩٣٦، أي من خمسين سنة، ولم ينفعني أني كنت يومئذ صديقاً لسفير مصر في العراق، الرجل الكبير الأستاذ عبدالرحمن عزام.
أنا -ويحكم- أكره مصر ومِن مصر أصلي؟! منها جاء جدي أبو أبي لا جدي البعيد، والشام مولدي ومنبتي، وإن أنكرَتني بعد