للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيب والصحبة وقتلَت غدراً وظلماً بنتي، وكأنها أرادت (والله هو الذي يُمضي ما أراد) أن أموت قبل أن تكتحل برؤيتها عيناي. والعراق بلدي، عشت فيها وأحببتها. ولبنان بلدي عملت فيها. أما المملكة فأشهدكم أنني أُقِرّ بفضلها عليّ، من ملوكها الخمسة الذين أدركتُهم إلى آخر واحد من أهلها، رحمة الله على مَن ذهب للقائه من الخمسة ومدّ الله في عمر الباقي ووفّقه إلى ما يحبّه وإلى مايرضاه. المملكة التي فيها مكة والمدينة بلدي الأول وبلد كل مسلم، الدين أشرق نوره منها والعربية هي أصلها ومعدنها، وكل البلاد دخلها الاستعمار يوماً إلاّ المملكة فإن الله سلّمها منه وصانها.

يقول الأستاذ إنه بكى لمّا قرأ سؤالي عن الأزبكية ما حالها؟ إنه -يا أستاذ- بكاء الرجال من فيض العاطفة ورقّة القلب، ليس بكاء الضعف ولا بكاء النساء. إن كل من عرف مصر من قبلُ وعرفها اليوم بكى، وإنْ كان آخر عهدي بمصر سنة ١٩٥٩ لمّا كنت مستشاراً في محكمة النقض في الشام، وكانت الوحدة فجمعت المحكمتين، فانتقلنا إلى مصر وعقدنا فيها الجمعية العمومية مرات كان آخرها سنة ١٩٥٩.

وأنا أعرف مصر ملجأ الأحرار من قبل أن أعرف هذه الدنيا، وعمري الآن ثمانون سنة. كان الناس يفرّون من بلاد العرب إليها، من كان عنده فيض من بلاغة أو فضل من خبرة وبراعة حمل قلمه وخبرته ومشى إليها فأنشأ الصحف والمجلات فيها، كالأهرام والمقطّم والمقتطف، وإن لم تكن كلها مع مصر، وإن كان بعضها يساير أعداء مصر والعادين عليها وغاصبي الحكم فيها، وكالمنار والفتح اللتين كانتا دوماً مع الإسلام، ومن كان معه كان مع مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>