للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن كان عنده أثارة من فن حمله إليها، كأبي خليل القباني ومن عرفتم من المغنّين والممثلين (فما جئت أؤرّخ لأهل الفنّ ولا تاريخهم مما يعنيني أو ينفعني). ومن كان عنده رغبة في الإصلاح أو خطة للنجاح حملها إلى مصر، كالشيخ جمال الدين الأفغاني. أما علوم الدين فما حملها إليها أحد، لأنها فيها ومنها أُخذت وعنها اقتُبست، فحسبكم بالدين وعلومه فخراً.

ما كان أهل مصر يعرفوننا ولكن نحن نعرفهم، لأننا كنا نتعلم منهم، من كُتّابهم وأدبائهم ومن صحفهم، والتلاميذ يعرفون المعلّم ولكن المعلّم لا يعرف التلاميذ جميعاً. ما كانوا يعرفون الأقاليم العربية، وعندي على هذا شواهد كثيرة منها رسالة من الأستاذ أحمد أمين رحمه الله بخطه، على ظهرها عنواني واسمي وتحته دمشق وخط تحتها، وتحت الخط كلمة فلسطين! ولعلّ ذلك أن حبّهم لبلدهم كرّه إليهم البعد عنها أو معرفة غيرها، حتى إن ابن مصر (أعني القاهرة) إن نُقل إلى الفيّوم شكا وبذل الجهد وجاء بالوسطاء ليعود من غربته إلى بلدته، فإن نُقل إلى إسنا أو أسيوط اسودّت الدنيا في عينيه وأحسّ أن الأمل ضاع من يديه. وكانوا يعجبون من اقتحام الشاميّين الأخطار وحملهم مشقّات الأسفار حتى مدحهم بذلك شاعر النيل حافظ إبراهيم، فما بال المصريين اليوم تبدّلت حالهم فصاروا يمشون شرقاً ويمشون غرباً، ويسيرون شمالاً ويسيرون جنوباً، حتى ما تجد بلداً يخلو من المصريين، وهم في كل بلد يحلّونه وفي كل عمل يختارونه، من أعمال الفكر في الجامعات والمجامع وفي ميدان المال في الشركات والمصانع، يحتلّون في كل عمل أعلى محلّ ويكونون في صدور المجالس.

<<  <  ج: ص:  >  >>