للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان العهد الأسود الذي مرّ على مصر قد عدّ عليها أنفاسها وخنق ناسها وقتل خيارها وأذهب خيراتها، فإنه أخرج أهلها من عزلتهم فعرّف الناس بهم وأرى الدنيا عبقرياتهم، في بلاد العرب والمسلمين وفي أوربا وفي أميركا. وإن كان الذي يسرّنا ويرضينا أن يبقى أبناؤنا في أرضنا، وكل أرض المسلمين أرضنا، وأن يكون خيرهم لنا لا لغيرنا، وأن تنشأ ذرّيتهم عندنا لا في بلد لا يُسمَع فيه القرآن ولا يُصدَح فيه بالأذان. فإن اضطُررتم إلى الهجرة إلى مثل هذا البلد فذكّروا الصغار دائماً بأنهم مسلمون، وأنهم سلائل مَن حملوا مشعل النور حين شمل الأرضَ الظلامُ وميزانَ العدل حين طغى وبغى الحكّام، لئلاّ يفتنهم ما يرون من مظاهر الحضارة عمّا عندهم. أفهموهم أن الذي يرونه فرع مما كان عندهم، وأن أجدادهم هم الذين علّموا هؤلاء ثم ناموا حتى سبقهم في علوم المادّة هؤلاء، وأن أجدادهم كانوا هم الأساتذة وكانوا هم القادة وكانوا هم السادة.

لا ياإخوان، أنا ما أقول هذا لننام عليه بل لنصنع مثله؛ إنه لا بدّ من التاريخ لأن اليوم هو ابن الأمس وأبو الغد، ومَن ليس لهم في الأمجاد تاريخ كهؤلاء اليهود يخترعون لهم تاريخاً مكذوباً لأنها لا تعيش أمة بلا تاريخ، ولكن الفخر بالتاريخ وحده لا يُجدي. ما الذي يُجدي الفقيرَ أن يكون طول مائدة أبيه عشرة أذرع وعليها عشرة ألوان، وهو خاوي البطن فارغ المعدة يكاد يقصفه الجوع؟ ما الذي يُفيد الهزيلَ النحيل العليل أن يكون أبوه بضخامة الفيل؟

<<  <  ج: ص:  >  >>