للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دمشق كانت أشدّ بها إحساساً ولها إدراكاً.

لقد بسطت أمامي لمّا هممت بطرق هذا الموضوع بعض ما كتبت فيه، فوجدت فيه أكثر من ثلاثمئة صفحة مطبوعة، ومثلها أو ما هو قريب منها من الصحف المنشورة، وقريب منها بل ربما زاد عليها مخطوطات، منها صفحات فُقدت وصفحات بَقيَت.

ووجدت خُطَباً ومحاضرات تزيد على المئة. وأكثر الخطب ما كتبتها (وما أشدّ الآن أسفي وحزني على أني ما كتبتها) بل كنت أفكّر فيها وأرتّب أفكاري، ثم أكتب أطراف الأفكار وعناوينها على بطاقة لا تزيد على حجم الكفّ أحملها بيدي وأنا على المنبر، فأنساها تارات فلا أنظر فيها، وإذا عدت إليها لم أعرف ما الذي كتبته فيها، وأرى العنوان ولا أذكر ما كان تحت هذه العنوان. ومنها ما لا أستطيع، صدّقوني، أن أفكّ حروفه فأعرف ما هو لأنني أكتبها بمثل خربشة الدجاج!

أرأيتم آثار أقدام الدجاج على الطين الطري؟ هذه هي الخربشة التي كنت أخربش بها حين أُعِدّ المحاضرة.

* * *

وقد علّمونا أن الكاتب إذا أراد أن يصفو له ذهنه ويجتمع فكره يؤمّ مرابع الجمال ويقصد الرياض وحفافي الحِياض، يستمتع بالأوراد والأزهار، ولكني لم آخذ بهذا الذي علّمونا ولا وجدت منه خيراً. جرّبته فوجدته يفرّق فكري بدلاً من أن يجمعه ويوزّعه على ما أرى حولي بدلاً من أن يركّزه على ما في ذهني. لذلك كان

<<  <  ج: ص:  >  >>