للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكثر ما أكتب أكتبه عندما أضطجع في الفراش وقد أرخى النعاس جسمي وأغلق أجفاني، هنالك يتيقّظ الفكر وينطلق، فأشعل النور لأدوّن فكرة عرضت لي، فإذا نفدَت أطفأته وتمدّدت لأنام، فتأتي فكرة أخرى فأعود إلى النور فأشعله. تأتيني الأفكار مثلما تُقبِل الأمواج على الشاطئ، موجة بعد موجة، وإذا توالت عليّ وتعاقبت طار النوم من عيني، فإما أن أستغني عنه وأبقى ساهراً وأقضي نهاري بعده خاملاً، أو أن أطرد الأفكار وأنام، فإذا أصبحت لم أجد في ذهني منها شيئاً؛ كحلم كنتَ مستغرقاً فيه فلما أفقت تصرّم الحلم، أو صورة على لوحة الرائي قُطع عنها التيّار فلم يبق لها من آثار.

وقد أزعج هذا زوجتي لمّا جاءت إليّ من سِتّ وأربعين سنة فحطّم أعصابها وزاد أوصابها، فحملَت وسادتها وفراشها وذهبت تنام في غرفة أخرى. والحقّ معها، فإنّ الذي كنت أصنعه مضطراً يَذهب بحلم الحليم وصبر الصبور، وهو باب من أبواب التعذيب عند الطغاة الجبّارين، يمنعون المعتقَل السجين من المنام، حتى إذا استبدّ به النعاس وأخذ منه بمعاقد الأجفان تركوه ينام فعلاً، فإذا استغرق في النوم أيقظوه. وأنا أسأل الله أن يغفر لي ما صنعت مع أهلي.

فإذا قويَت الفكرة ووضحت لي وثبتت أصولها في ذهني، تركتها ونمت مطمئناً لأنني إذا صحوت وجدتها قد امتدّت جذورها واتّسق ساقها وأورقَت وأثمرَت.

وطالما كانت تستعصي عليّ مسألة وأنا طالب أو تستغلق

<<  <  ج: ص:  >  >>