هذا ما وجدتُه مكتوباً عندي من القديم، أفأنشره أصف فيه جمال تلك البقاع وما وهبها الله من السحر الذي جعلها به جنّة في الدنيا، والقنابل الآن تحرق دورها وتقتل أشجارها، والنار تسري فيها؟ نار الحرب الأهلية بيننا:
يقتّلُ بعضُنا بعضاً ويمشي ... أواخرُنا على هامِ الأَوالي
ما الذي حلّ بنا حتى صرنا إن ذكرنا جنّات بلادنا وما كان فيها من النعيم عرضَت لنا دونها صورة الموت، صورة الدمار؟ أفنصنع بأنفسنا ما عجز أعداؤنا عن صنيعه بنا؟ ماذا يقول الناس عنّا عندما يقرؤون بعد مئة سنة هذه الصفحة من تاريخنا؟ متى نعود إلى رشدنا؟ متى نصحو من غفلتنا؟ متى نتنبّه إلى العدوّ الذي يبثّ سُمّه فينا ويمدّ يده القذرة ليفرّق جمعنا ويصرفنا عن غايتنا؟ أيجوز أن نوجّه مدافعنا إلى صدورنا، وعدوُّنا الغاصب لأرضنا المعتدي علينا ينظر إلينا ويضحك من أفعالنا؟
لقد ترددت والله أن أعرض هذه الصفحة التي وجدتها، والتي أصف فيها مجلس طرب وغناء، وما في الأخبار التي نسمعها كلّ يوم من الإذاعات والتي نقرؤها في الصحف ما يسرّ؛ ما فيها إلاّ ما يُبكي ويؤلم. فمتى ننتبّه؟
نسأل الله أن يعيدنا إلى رشدنا، وأن ينبّهنا من غفلتنا، وأن يعرّفنا عدوّنا حتى نوجّه إليه وحده قوّتنا. إن اللسان ليعجز وإن القلم ليكلّ عن وصف ما نحن فيه اليوم، والمشتكى إلى الله.