للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الحضارة. وويل لنا من هذه الحضارة! لقد سلبَتنا كلّ شيء فهل تسلبنا موسيقانا؟ إنا لا نجد ساعة الضيق إلاّ أغانينا وأنغامنا، نصبّ فيها آلامنا ونستوحيها آمالنا ونمسح بها دموعنا. أفتريدون ألاّ يبقى لنا وَزَر نلجأ إليه ساعة الضيق؟ أعني من الدنيا. أما الملجأ الحقّ والوزَر الآمن ففي رجوع القلب إلى الله، الذي لا يُلجَأ إلى سواه.

وضرب الشابّ في كلّ فنّ من الغناء، ثم غنّى في أبيات أبيصخر الهُذَلي:

عجِبتُ لسعْيِ الدّهرِ بيني وبينَها ... فلما انقضى ما بينَنا سكَنَ الدهرُ

فيا حُبَّها: زدني جَوىً كُلَّ ليلَةٍ ... ويا سَلْوةَ الأيامِ موعدُكِ الحشرُ

ويا هجرَ ليلى قدْ بلَغتَ بيَ المدى ... وزدتَ على ما ليسَ يبلُغُه الهجرُ

أما والذي أبكى وأضحَكَ والذي ... أمات وأحيا، والذي أمرُهُ الأمرُ

لقدْ تركَتني أحسُدُ الوحشَ أن أرى ... أليفَين منها لا يروعُهما النَّفْرُ

فنقلني إلى مجالس الخلفاء التي صوّرها أبو الفرج، ونال مني الطرب فعرفت أن لقد كان حقاً ما ذكره الأصفهاني، وأنّ المرء قد يمزّق ثوبه من الطرب أو يحرق لحيته بالسراج!

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>