للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حطّ الغناء على أنشودتنا الشعبية الخالدة «الميجَنا»، تلك التي تصوّر بمعانيها النفس الشامية وتمثّل بصورها طبيعة بلادنا وجمال ديارنا، وهي رمز عبقريتنا الشعبية ومجال الابتكار ومحكّ القريحة، فهي تُرتجَل أبداً ارتجالاً، وتُعقد لها المجالس ويقوم الشاعران يتقارضان المديح والهجاء، وأهلُ المجلس يردّدون اللازمة «الميجنا»، أنشودتنا الأزلية التي لا يعلم أحدٌ مَن نظم أول مقطع منها ولا متى يُنظَم آخر مقطع.

ثم أخذنا في الأغاني البلدية: «هيهات يا بو الزُّلوف»:

مِنْ هُونْ لأرضِ الدّيرْ

والسّرِّ اللّي بينّا: إيشْ وَصّلو للغير؟

وِانْ كانْ ما في وَرَق، لاكْتُبْ عَ جْناحِ الطّيرْ

وِانْ كانْ ما في حِبِرْ، بِدْمُوعْ عينَيّا

تلك الأغاني التي وُلدَت في أودية الشام ولبنان المختبئة في سرّ الغيب، لا يعلم بها إلاّ أهلوها والله العالِم بكلّ شيء، وذراه التي لا يسكنها إلاّ أهلوها والنسور.

فيا أيها المصطافون: بالله عليكم لا تقفوا عند صوفر وبْحَمْدون وبْلودان، بل تغلغلوا إذا أردتم أن تشاهدوا الجمال، جمال الفطرة، واهبطوا أودية وارتقوا ذُرى، واركبوا الدوابّ وسيروا على الأقدام. ولكن لا أيها المصطافون، انسوا ما قلت لكم ودَعوا الجبل على فطرته، اتركوه ليعيش على جهله الفاضل وفقره السعيد، لا تحملوا إليه الحضارة التي أفسدَت بلودان وصوفر وبحمدون.

<<  <  ج: ص:  >  >>