للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله لهم الدين والدنيا.

وكدتُ وأنا معلم في مدرسة سقبا، كدت أقع في مثل هذا، ولكن الله سلّم. أخذت التلاميذ فقطعت بهم عرض الغوطة إلى بَرْزة فسهل القابون، حتى صرنا في حارة الأكراد، وكانت يومئذ (أي قبل خمسين سنة) مغلَقة على أهلها لا يدخلها غيرهم، فلما صرنا فيها اجتمع علينا صبيانها يرجموننا بالحجارة، فأصرخ بهم فيفرّون منّا ثم يكرّون علينا. واستنجدت بمن صادفت من كهول الحيّ فما أنجدني منهم أحد ولا اهتمّ بي ولا بمن معي، فلم يبقَ أمامي إلاّ أن أقابل الشرّ بالشرّ والجنون بجنون مثله، فأمرت التلاميذ بصوت عالٍ أن يجمعوا الحجارة وأن يرموا بها من يرميهم، ومن أصاب واحداً منهم فأسال دمه كافأته ومن أخطأه عاقبته، فناداني كهول الحيّ وقالوا: ماذا تقول؟ أهذه وصية معلّم لتلاميذه؟ قلت: الله يقول: {وَجَزاءُ سَيّئةٍ سَيّئةٌ مِثْلُها}، فكُفّوا عنّا صبيانكم أكفف عنكم تلاميذي.

وكان ذلك، فكفّوا وكففنا. وكان طريقنا من فوق البيوت، نسير في لحف الجبل، نجوز حيّ الأكراد فالصالحية فالمهاجرين، ثم نمشي على شفير الوادي فنهبط دُمَّر، ثم نصعد الجبل المقابل فننزل معه وهو ينزل قليلاً قليلاً حتى نبلغ المزة. وقد سلكت هذا الطريق من قبل مرات كثيرة حتى إني لأمشي فيه مغمض العينين، ولكننا وجدنا هذه المرة ما لم نكُن نحتسبه.

لمّا بلغنا ذروة الجبل العالي المطلّ على الربوة ومتنزّهاتها ومقاهيها، المقابل لـ «المنشار» و «قبة السيّار»، وملنا لنهبط إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>