ذلك كله وأنا غائب عن الفندق، فلما عدت إليه من بيت الشباب وجدتهم قد نقلوني من غرفتي التي كنت فيها إلى هذا الجناح، وإذا هو دار مصغَّرة فيها غرفة استقبال وغرفة للنوم وردهة فيها مقاعد لا أدري ماذا أصنع بها ولا بهذا الذي وجدته. ومن أعجب ما وجدت خزانة فتحت بابها فإذا فيها من القوارير والقناني ما لا أستطيع إحصاءه، وفهمت أنه كان فيها من كل شراب أحلّه الله أو حرّمه، أي أنها خمّارة صغيرة في هذا الجناح!
وقال لهم إني لا آكل إلا أكلات أحدّدها، فجاؤوا يسألونني: ما الذي أريد أن آكله في المساء؟ وأنا لا أفهم عنهم ولا يفهمون عني، حتى وصل هذا الأخ فقلت له: ما هذا الذي صنعت ياغالب؟ أنا راضٍ بغرفتي وقانعٌ بها. وجاء الطعام وهو عندي، فوضعوا ملاءة بيضاء مطرَّزة يبدو أنها غالية الثمن وضعوا فوقها الأطباق، وأنا أنظر بعيني، ثم وضع النادل خادم المطعم منديله على ذراعه ووقف على رؤوسنا. وأنا لا أستطيع أن آكل وأمامي من يراقبني وينظر إليّ، فكنت أغمز هذا الأخ بمرفقي أقول له بالعربية بصوت خافت: اصرفه عني، وهو يظنّ أن من الإكرام أن يُبقيه قائماً على رأسي. حتى ضقت به ذرعاً فأمرته أن ينصرف فانصرف متعجباً.
ولم أرضَ أن يغرم هو ثمن هذا البذخ الذي لا داعي له ولا منفعة فيه، واضطُررت أن أدفع أنا أجرة هذا كله شاكراً له نيّته وحسن مقصده.