للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للعامة، ولكن درس الشيخ صالح كان يمتاز منها جميعاً؛ كان موعظة، وكان أدباً، وكان تاريخاً. وما أكثر ما حفظت فيه من أحاديث صحيحة، ومقطوعات من الشعر بارعة، وأخبار من التاريخ نادرة.

وكان يُلقي ذلك بلهجة تونسية فصيحة المبنى جامعة المعنى كثيرة الأسجاع، تأتي معه عفواً بلا تكلّف. لا يكتفي بأن يتكلّم ونحن نسمع، بل كان يسأل ويطلب الجواب، فيكون لنا من درسه -فوق ما نتلقّى من العلم والأدب- تدريب على الخطابة وتمرين على الكلام. وهذا فن عُني به العرب قديماً حين كان من خطبائهم من يدرّب على ذلك الشبابَ، وعُني به الأميركان حديثاً إذ يفتحون مدارس يتعلم فيها تلاميذهم (وجلّهم من الكبار) فنّ مخاطبة الجماهير.

ثم كنت تلميذه في المدرسة، وكنت أتلقى عنه فوق ذلك درساً خاصاً، أمرني أبي به وطلبه لي منه، وكان صديقه. وأشهد لقد استفدت منه ومن المتون الكثيرة التي ألزمني حفظها: ألفية ابن مالك (١) في النحو، والجوهر المكنون في البلاغة، ومتن الجوهرة والزّبد (٢)، وإن كنت قد نسيتها الآن إلاّ قليلاً منها.

وإذا وعدتم وعد الصدق ألاّ تخبروا ولده الأستاذ


(١) كان قبر ابن مالك في مقبرة الصالحية في جبل قاسيون، فلما مات الشيخ أمين التكريتي ضاقت عليهم الأرض! فدفنوه في قبره، فلم يعُد له قبر يُعرف.
(٢) أرجوزة «جوهرة التوحيد» لبرهان الدين اللقاني في العقيدة الأشعرية وأرجوزة «صفوة الزَّبَد» لابن أرسلان في الفقه الشافعي (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>