المعالي أبداً. فدخل كلّية الحقوق، فدرس فيها ونال شهادتها وصار محامياً ونجح في المحاماة، فحدثت أحداث اضطرّته إلى ترك بغداد كلّها. فهل يئس؟ إنه مؤمن أشهد بإيمانه من يوم كان طالباً يقعد بين يديّ، والمؤمن لا ييأس من رَوح الله، وإذا ضاقت به بلاد العرب فإن «في الأرضِ مَنْأىً للكريمِ عَنِ الأذى»، فسافر إلى النمسا وتعلّم لسانها، ودخل كلّية الطبّ وتخرّج طبيباً من سنتين وقد جاوز عمره الستّين. ولم ينقطع طولَ هذا المدى من مراسلتي والاتصال بي، يرسل إليّ من الأدوية ما يفيد أمثالي في شيخوخته، وإن لم يكن شيء يردّ إلى أمثالي شبابَهم الذي ولّى. لقد رأيتُه في الحجّ في الموسم الماضي، زارني في داري في مكّة. هل عرفتموه؟ هو العقيد المحامي الطبيب جهاد عبد الوهاب.
ومنهم من هو اليوم من الدبلوماسيين العراقيين المرموقين ومن الأدباء والباحثين المعروفين، لزمني مدّة لزوم الولد أباه ثم راسلني مدّة أخرى، ثم قطعَت الأيام ما بيني وبينه فلم أعُد أسمع عنه شيئاً، هو نجدة فتحي صفوة.
ولهما -بحمد الله- أمثال من الذين شرّفني الله يوماً فكنت مدرّساً لهم ثم مضوا صُعُداً فجاوزوني وصاروا أعلى مني منزلة، صار منهم (من تلاميذي) وزراء وقُضاة كبار وأساتذة جامعات، منهم جماعة هنا في جامعة الملك عبد العزيز وجامعة أم القرى وجامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود، من السوريين ومن السعوديين، هم أعلم الأساتذة وأفضلهم، صاروا جميعاً أعلم مني وأفضل.