للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحوّل إليه مَن كان يحفّ بجبري والتفّوا حوله ونسوا رئيسهم بالأمس.

لمّا كان ذلك أعلنت أنا وحدي الحرب عليه وعليهم، وما معي من سلاح إلاّ هذه الأداة الصغيرة: القلم، وهذه القطعة من اللحم: اللسان. فكتبت مقالة صريحة وضعت في أعلاها كلمة ابن هبيرة: «ما رأيت أكرم من الفرزدق: هجاني أميراً ومدحني معزولاً». واستحييت أن أقول «أكرم» فكتبتها: ما رأيت كالفرزدق. ذكرت في هذه المقالة مزايا جبري وأدبه ووطنيته، وأنه لم يقُل كلمة في شعره ونثره فيها تزلّف إلى الفرنسيين أو مسايرة لهم. وذكرت في هذه المقالة ما شاع عن هذا الدكتور الجديد «ك. أ.» من أخباره مع المعلّمات ومن تشجيعه الفاسدين المفسدين.

وكانت مقالة حروفها مسنونة كحدّ السكين وكلماتها حامية حمراء كالحديد خارجاً من الكير، وكان لها أثر في الناس عجيب، وتخاطَفَ الجريدةَ (جريدة «ألف باء» التي كنت أكتب فيها) المعلّمون والمعلمات، من كان مع الدكتور ومن كان عليه، فصار عدد الجريدة يُطلَب بعد ساعات معدودات فلا يوصَل إليه ولو بُذل فيه خمس ليرات وثمنه في الأصل خمس هلالات (هللات).

وكانت الماسونية فاشية في وزارة المعارف، وكانت هي باب الترقّي في الوظيفة وطريق الحظوة عند الحُكّام، ومَن لم يكن مؤمناً بها تظاهر بأنه معها أو سكت عنها. فأعلنت وحدي الحرب عليها وعلى أهلها. ولم أكُن أقول كلمتي همساً؛ ما فعلت ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>