إلى الله وعدنا إلى التمسك بالدين. أقول: لقد حكم الصليبيون السواحل وبعض مدن الداخل، ولكن الله حمى دمشق منهم، فلم تطأ ثراها جنودُهم ولا حكمها أمراؤهم.
وما يسمّيه السفهاء منا «الاستعمار العثماني» لم يكُن استعماراً، لأن حكم المسلم (ولو كان تركياً) لبلد مسلم (ولو كان عربياً) لا يسمّى في شرعنا حكماً أجنبياً، والمسلم لا يكون أبداً أجنبياً في ديار الإسلام. ونحن ما كرهنا الاتحاديين لأنهم أتراك، بل لأنهم حادوا عن جادة الإسلام فأساؤوا للمسلمين جميعاً، من عرب وأتراك.
لقد كانت الشام أيام الشريف كأنها في عرس، هذا ما كنا نراه نحن الصغار لأننا لا نعلم من الأمور إلاّ ظواهرها، وفي ليلة العرس تزدان الدار وتزداد فيها الأنوار وتُعلَّق المصابيح على كل جدار، وإذا نحن بتيار الكهرباء ينقطع فجأة فيعمّ الظلام. كنا كالحالم يرى أن قد أتيحت له اللَّذاذات وجُمِعت له أنواع المشتهَيات يأخذ منها ما يبتغي ويشاء، فصحا فجأة فلم يجد في يده إلا الهواء.
لقد انتهت في الشام أيام الأعياد وبدأت ليالي الحداد.
إن الرقيق المولود في قيد العبودية والناشئ فيها لا يأسى على فقدان الحرية لأنه ما عرفها ولا ذاق طعمها؛ إن الذي يأسى عليها إنْ فقَدها هو الحرّ الكريم، الذي عاش عليها ولم يألف غيرها. لذلك أبَتْ على الشاميين عزةُ نفوسهم أن يصدّقوا ما يرون وخيّلت لهم أنهم في منام، سرعان ما ينتهي الليل ويطلع النهار فيبدّد ضوؤه ظلامَ هذه الأحلام.