أنه تأخر عن البيعة عدة أشهر فما عرض له أحد، وأن سعد بن عُبادة لم يبايع فلم يجبره أحد على البيعة.
فإذا كان قد بايع باختياره لم يبايع مُكرَهاً فإنني أسألكم: هل بايع وهو يعلم أنه يبايع صالحاً للخلافة أهلاً لها وأنه بذلك يُرضي الله، أم بايع ابتغاء الدنيا؟ لقد كان علي رضي الله عنه أتقى لله من أن يبايع مَن لا يرى صلاحه للخلافة.
فحاولوا تبديل الموضوع وصرف الكلام عن وجهته، فقلت: لا، هذا هرب من الجواب وأنا ألزمكم به. واشتدّ الخلاف فطلبت من لجنة التحكيم أن تقول كلمتها، فقالت لهم اللجنة: إنكم هربتم من الجواب، وإن لم تجيبوا لزمتكم الحجة.
وانتهت المناظرة. وخرجت وأنا أنفض عني غبار الموت. ولعله أشد من الموت بأيدي اللاطمين في الحلة، لأن ذاك موت فردي لي وهذه هزيمة لمبدأ أقمت نفسي بحماقتي محامياً عنه، ودخلت المعركة معتمداً عليها لا على الله.
وحفظت بعدها الدرس، فلم أدخل معركة إلا بعد أن أمحو من نفسي غرورَها وأعتمد في النصر على خالقها ومسيّرها.
وكذلك يكون النصر في المعارك كلها: معارك الكلام ومعارك الحسام.