أي أنهم جعلوا الأدب تابعاً للسياسة، وما هو بتابع لها وليس بينه وبينها صلة ثابتة، فلا يرقى برقيّها دائماً ولا يهبط بهبوطها، كما أنه لا يرتقي بهبوطها ولا يهبط بارتقائها.
هذا الذي كنت أتبعه أقرب إلى المذاهب الأدبية (أو «المدارس الأدبية» كما يقول غيرنا)، وأول من أحسبه نبّه لهذا طه حسين. ولطه حسين مزايا، وله طامات وسقطات مُهلِكات.
فإن درّستُ قصيدة جرير في رثاء زوجته عرضت لمن رثى زوجته من الشعراء، وإن درّست مرثيّة ابن الزيات لولده درّست مراثي الذين رثوا أولادهم، وإن درّست قصيدة بشار في وصف الجيش:
وجيشٍ كجُنحِ الليلِ يزحَفُ بالحصى
وبالشوكِ والخَطّيِّ حُمْراً ثعالبُهْ
درّست بعض ما قال الشعراء في وصف الجيش (وإن كانت قصيدة بشّار هذه أمتنها أسلوباً وأصحّها نسجاً). متى كان زحف هذا الجيش؟ قُبَيل طلوع الشمس، ولكن هذا تعبير أمثالي من العامّة، أما الشاعر فيقول شيئاً آخر، يقول: كان قبل خروج الشمس من خدرها؛ يجعلها بذلك من ربّات الخدور، فنتصورها صبيّة مَصونة ذات حسن وجمال. هل يمكن أن نتصورها قبيحة شَوهاء؟ ولكن هذا تعبير الشاعر العادي، أما بشّار العبقري فيقول شيئاً أدقّ وأرقّ وأسمى من ذلك، يقول:«غدونا له والشمسُ في خدرِ أمّها»، أي أنها لم تستقلّ لصغرها في خدر هو لها وحدها. ولكن هذه الصغيرة ليست جامدة الحسّ ولا ميتة النفس، فهي