فيها الأدباء بالتجريح، لا يكاد يسلم من لسانه أحد. فكتب عن أستاذنا الجندي أنه "يهدم للمعري قصراً فخماً ليقيم من أنقاضه كوخاً حقيراً". فأخذَتني الحميّة لأستاذي وكتبت عن البزم:"إنه يعرف في النحو ما يجهله الناس ويجهل ما يعرفه الناس، وإن شعره جدار من الحجارة الصلد ولكنها مركومة ركماً ليس بينها ملاط"! فغاظه ذلك منّي وكفّ عن الجندي، مع أنه كان في خصام دائم مع الأدباء. نظم أرجوزة نحَلها الشيخَ المبارك وجعلها على لسانه، وسارت في الناس وأضحكتهم على الشيخ. ولقد سألت المبارك عنها فأبدى ألمه منها، ولكنه صرّح لي بأنه كان يتمنى أن يقدر على نظم مثلها!
وهجا مرة الأستاذ شفيق جبري بقصيدة قافيتها على الزاي المضمومة: لَمزُ، وَخْزُ، طَنزُ عَجزُ ... فيها هذا البيت:
ولو شئتُ سيّرتُ القوافي جَحافلاً
وأوقرتُ أسماعاً وكانَ ليَ الفوزُ
ونُشرت أيام الثورة، وكانت «البعثة»(أي دار مندوب المفوّض السامي الفرنسي) تراقب المطبوعات، وكان المراقب نصرانياً ضعيفاً في العربية فلم يفهمها وحار في رفع تقريره عنها، فسأل زميلاً له أعلم منه فقال له: إن الجحافل هي الجيوش. فكتب أن البزم يدعو لحشد الجيوش لحرب فرنسا! فقبضوا عليه وبيّتوه في السجن، فما أنقذته إلاّ شفاعة الجندي وجبري!
ولعلّ سبب هجومه على الأدباء الأحياء وعلى أئمة النحو الأموات أنه نشأ بعيداً عن العلم والأدب ثم اشتغل بهما بعد أن