تعالوا سائلوا سفوحه وذُراه وأوديته ورُباه كم شهدت من فصول هذه القصّة الخالدة، قصّة الحبّ، وكم أريقَ على صخوره من الحَيَوات والعواطف، يُطِلْ جوابَكم لو ملك الكلام.
* * *
يا أصدقائي القُرّاء، أستأذنكم أن أشير إلى بعض كتبي وآخذ من كلّ كتاب فقرة أو فقرات، أمثل بها عليه وأعرض بها أسلوبه، ثم أعود إلى قِصّتي في المحكمة.
وإن أمامي -إن صبر عليّ القُرّاء وصبر الناشران الفاضلان- مرحلة طويلة، فأنا لا أزال في ذكرياتي قبل أربعين سنة. وكم مرّ عليّ في هذه السنين الأربعين وعلى بلدي وأمتي من أحداث، لو عرضتُ ما بقي في ذهني منها لامتدّت الذكريات مئة حلقة أخرى! فامتحنا -يا أخوَيّ الكريمَين الأستاذَين هشام ومحمد- نفسيكما ومبلغ احتمالكما: هل تصبران عليّ ويصبر القُرّاء، وإن صبرتم فهل يمهلني القدَر حتى أُتِمّها؟ أنا إلى الآن لا أزال في الرقراق، ما بلغت اللجّ ولا بعدت عن الشاطئ، وإنّ أمامي لبحراً من الذكريات يموج بالأخبار وبالأحداث، فهل أوغل فيه وأستمرّ في عرض ذكرياتي، أم أقف هنا لأنني أمللت القُرّاء واستنفدت صبر الناشرَين؟ (١)
* * *
(١) حين ظهرت هذه الحلقة في الجريدة عقّب الناشران بما يأتي: "يرحّب الناشران كل الترحيب باستمرار فضيلة الأستاذ علي الطنطاوي في كتابة ذكرياته بأسلوبه البديع الفريد. وليس الأمر أمر «صبر» على=