سنة ١٩٣٠) فجاءه أحد ظرفاء الحيّ بصورة عنتر التي تُعلَّق في القهوات، فلما نظر إلى الصورة ورأى سواداً كالليل وعينين تتّقدان كعينَي الصقر وشاربَين كساريتَي المركب (وكذلك كانوا يصوّرون عنتر) انخرط بطنه وأصابه الزُّحار (الديزنطاريا) فحُمل من فوره إلى المستشفى.
كذلك -يا سادة- يلقى هؤلاء المجاهدون مئات الألوف من جنود المستعمرين، ولذلك يتعاقب النصر فيهم وتتوالى الهزائم على عدوّهم. لقد تعلّموا درساً جيّداً في حروب الهند الصينية التي نكّست أعلامَ فرنسا وقضت على ما بقي من أسطورة بطولتها.
ينهزم الفرنسيون في كلّ معركة في الجزائر، ولكن البطولة الفرنسية لا تنهزم! البطولة التي أدهشوا بها الدنيا سنة ١٨٧٠ أمام بسمارك، وسنة ١٩١٤ أمام غليوم، وسنة ١٩٣٩ أمام هتلر، وبينهما سنة ١٩٢٥ أمام حسن الخرّاط وأبطال الثورة السورية! تبدو هذه البطولة في القرى الآمنة، وعلى المدنيين المسالمين وعلى النساء والأطفال، وتعود من هناك معقوداً بنواصيها الغار لأنها انتصرَت على الأطفال، ولأنها ظفرَت بالنساء بنار المدافع والرشاشات!
إنهم يمحون القرى محواً ويُبيدُون أهلها إبادة. وتحت يدي وصف لما جرى في قرية سكيكدة في إقليم المقلع في الجزائر، لم يكتبه عربي جزائري ولكني قرأته لكاتب فرنسي في جريدة فرنسية؛ جاء هذا الصحفي الفرنسي القرية عقب ضربها فلم يجد فيها حياً واحداً، ووجد الكلاب تنبح نباحاً يقطع نياط القلوب