ولقد ألقيتُ في هذه الرحلة التي وصلنا بها إلى آخر أندونيسيا (حيث لم يبقَ بيننا وبين أستراليا إلاّ مرحلة واحدة بالطيّارة) وأمضينا فيها شهوراً، ألقيتُ فيها ثلاثاً وأربعين محاضرة وخطبة عن فلسطين، وعقدت ثمانية وعشرين مؤتمَراً صحافياً، وشغلت بها ستّ إذاعات وأكثر من أربعمئة جريدة ومجلّة.
وسيأتي إن شاء الله الحديث المفصّل عن هذه الرحلة، ولكنْ أردت الآن أن أقول إننا وجدنا المسلمين في كل مكان يهتمّون بقضية فلسطين مثل اهتمامنا، ولا يُزعِجهم منّا إلاّ أننا جعلناها معركة عربية فقط؛ أي أننا قلنا لهم: تفضّلوا اخرجوا فما لكم معنا مكان! فلما قابلنا (الشيخ الزهاوي والشيخ الصواف وأنا) الحاكمَ العامّ بباكستان يومئذ (سنة ١٩٥٤) غلام محمد، عرّض بهذا ولامنا عليه، كأنه يقول: إذا كنتم تجعلونها معركة عربية فلماذا جئتم إلينا؟
فاستأذنت الشيخين وقلت له: يا فخامة الحاكم. القدس مسرى محمد نبيّنا ونبيّكم، والمسجد الأقصى كان القبلة الأولى لنا ولكم، فالقضية قضيّتنا وقضيّتكم يطالبنا بها ويطالبكم الله ربنا وربكم. فهَبْ أن العرب قصّروا أو تقاعسوا، فهل يُنجِيكم عند الله أن تفعلوا مثلهم؟
صدّقوني لقد كان كلامه الذي أجاب به ممزوجاً بالبكاء، وكان دمع عينيه ينساب على خديه، وأجابنا إلى كل ما طلبنا.
لم ينته الموضوع فعذراً، وإلى حلقة آتية إن شاء الله.