أيها أختار: هل أكمل الكلام عن مكتب عنبر وعن أساتذتي فيه؟ أم أتكلم عن نهضة المشايخ؟ أم الثورة السورية؟ أم أُتمّ ما شرعت فيه في الحلقة السابقة ليتصل الحديث ويتسق؟ أتمّ ما شرعت فيه.
قلت لكم إن الذي قدم الشام من طنطا في مصر هو الشيخ محمد، وقد جاء معه أحمد ابن أخيه الكبير (١). والشيخ أحمد هذا هو جدي الذي تُوفّي سنة ١٩١٤، وفي ذاكرتي عنه بقايا صور قليلة ولكنها واضحة، وكذلك تكون الصور التي ترتسم في عهد الصغر.
ولقد ساءلت نفسي: لماذا أحدث القرّاء عنه وما انتفاعهم بهذا الحديث؟ ثم رأيت أنه كان «نوعاً» من الشخصيات لا يخلو من طرافة أو غرابة، ثم إنه جدي والكلام عنه حلقة لا بدّ منها في سلسلة الذكريات.
كان جدي «إمام طابور» متقاعداً في الجيش العثماني. وكان للوعّاظ والأئمة في هذا الجيش رُتَب مثل رُتَب الضبّاط وأعلاها رتبة «مفتي ألاي»، وأحسبها تقابل وظيفة قاضي العسكر قديماً.
(١) أي ابن علي. وقد روى عمّ أمي الشيخ سعيد الطنطاوي (وهو أصغر إخوة جدي) أن جدّ جدي أحمد هذا قد صحب عمَّه محمداً في قَدْمته الثانية إلى الشام لا في قَدمته الأولى. وقد علمتم -ممّا مضى- أن الشيخ محمداً جاء إلى دمشق في المرة الأولى سنة ١٢٥٥ فمكث فيها خمس سنين، ثم عاد إلى مصر فبقي هناك مثلها وعاد إلى دمشق سنة ١٢٦٥، فعندئذ وصل معه ابن أخيه أحمد الذي هو جد جدي علي الطنطاوي، رحم الله الجميع (مجاهد).