(أوركسترا)(١) مرعبة، فيها أصوات لا أدري بماذا أشبّهها ولا أجد كلاماً يفي بوصفها. وتصبّرت ولكنني لم أستطع الصبر، تلك هي أصوات غطيط الشيخَين (أي شخيرهما)، ولن أصفه لأن الشيخ الصواف سيقرأ هذه الحلقة فيظنّ أنني أغتابه عند القُرّاء. فاشهدوا أني لم أقُل عنه شيئاً، واستغفروا الله من شهادة الزور. هل سمعتموني أقول عنه شيئاً؟
فنهضا ووعدا وعداً حسناً، واسترحت إلى هذا الوعد فرجعت أحاول المنام، ورجعَت تلك الموسيقى وتلك الأنغام. فقمت مذعوراً وخرجت من الغرفة ومشيت في ممرات القطار، فوجدت في آخره شطر غرفة: مقعد واحد بدلاً من المقعدَين المتقابلَين في الغرفة الكاملة. فحملت وسادتي وغطائي ودخلتها وأغلقت عليّ الباب بالمزلاج، وقررت ألاّ أفتح لأحد ولو جاءت الشرطة. وسأقول للشرطي إنني كنت نائماً. وهذا صحيح، فلقد كنت في بعض الزمان نائماً، وإن في المعاريض لَمَنجَى من الكذب. ولكن الله سلّم فلم يدخل عليّ أحد.
وكنت كلّما سار القطار أنام، فإن وقف في المحطّات أيقظني وقوفه وصمته كما تُزعِج النائمَ في بيته الأصوات والحركات! حتى وصلنا الموصل.
وذكّرني مجاهد الصواف من سنتين في مكّة (وقد صار دكتوراً من أكسفورد) بهذه الرحلة، وبالحكايات التي سمعها مني والطرائف التي لبث يرويها عني.