وخمس سنوات! أتدرون كيف كان الامتحان؟ كان الفاحصون من الرجال إذ لم يكن في الشام يومئذ من المتعلّمات من يمتحنّ الطالبات. نصبوا ستارة قعدَت وراءها التلميذة ومعلّمتها وأمامها لجنة الامتحان، وكان رئيسها مربّي الشام وأستاذ الجيل الذي كان قبلنا، الشيخ طاهر الجزائري، الذي كان له العمل الأكبر في افتتاح مدارس البنين والبنات والمكتبة الظاهرية التي تُعَدّ من أغنى المكتبات بالمخطوطات، والذي كان من أخصّ تلاميذه به وأقربهم إليه أستاذنا محمد كرد علي وخالي محبّ الدين الخطيب والشيخ سعيد الباني.
ثم أخذ الطريق ينحدر والمصائب تتوالى. والمدارس التي أنشئت لحفظ البنات وتثقيفهن وتقويمهن، وكانت عنايتُها برؤوسهن تملؤها بحقائق العلم وبأفكارهنّ تقوّم طريقها إلى الفهم وبقلوبهنّ تملؤها بالإيمان وبالفضائل، صارت عنايتها بأجساد الطالبات! وبعد أن كانت مدارس البنات لا يدخلها معلم ولا فرّاش (إلاّ إن كان شيخاً كبيراً) صار معلموها من الشباب العُزّاب المتأنقين الحاسرين، أصحاب الشعور المرجَّلة والوجوه المحفوفة، وصارت تقيم حفلات للرجال تمثّل فيها البنات ويرقصن بالثياب القصيرة الرقصة الرياضية ويدبكن «الدبكة الوطنية»، ثم اخترعوا شرّ اختراع، وهو هذه الرحلات المدرسية التي يشترك فيها الجنسان.
ولقد بدأ ذلك كلّه يوم الاحتفاء بالجلاء! المسلم يحمد الله على النعمة ويتلقّاها بالطاعة، ونحن قابلنا نعمة الله علينا بجلاء المستعمرين عنّا بمعصية ربنا.
لامني أصدقاء لأنني أكتب عن الفرنسيين بقلم سِنّه حديد