الشرّ كلها التي حشدها المتمدّنون ليقتلوا بها البشر باسم المدنيّة (التي نسبّح جهلاً بحمدها ونموت في عشقها) أن تُهلك خمسمئة مليون إنسان يستجيبون لصوت إيمانهم، ويغضبون لماضيهم ويعملون لمستقبلهم؟
إن القطّة إن غضبت لأولادها كشّرت عن أنيابها وأبدت عن مخالبها وهجمَت على الذئب، فكيف إن غضب شعب له في الأمجاد ميراث لا يعدله في الدنيا ميراث؟
لقد جاءتنا أخبار مصر، مصر الديّنة الصيّنة التي طالما احتملت الفسوق والعصيان، وسكتت ترجو أن يؤوب الفاسق ويتوب العاصي. مصر العزيزة الحرّة التي صبرَت على الطغيان والفساد، مصر التي بذلت في حرب فلسطين ما لم تبذله دولة عربية، ثم ضربها في ظهرها مِن كبار أبنائها مَن كان شراً عليها وعلى جيشها من أعداء الله والإنسانية، اليهود، حين وضعوا في يد جندها سلاحاً فاسداً ليقاتلوا به عدوّهم فانقلب ناره عليهم.
مصر التي طالما زرتها وأقمت فيها الشهور الطوال، فكنت أشمّ رائحة الفساد كلّما خرجت من إدارة «الرسالة» ومررت بالميدان الكبير، ميدان عابدين. وانتشرَت هذه الرائحة حتى بلغَت جوانب مصر، ثم وصلَت إلى أوربّا وشمّها أصحاب الجرائد هناك بأنوفهم الحسّاسة فنشروها في كل مكان، حتى بلغَت الشام ودخلت فيه كل بيت.
لذلك كانت أخبار الانقلاب الأولى فرحة في كل بيت يتباشر بها الناس، ويفتحون الرادّ ليسمعوها. وأزهد الناس بسماع الأخبار