إذا عصى أحدكم أباه حرمه من مصروفه جزاء عصيانه، ولكن الله يُطعِم في الدنيا من خيره الكافرَ كما يطعم المؤمن، فالله يا أولاد أكرم الأكرمين. لو كنتم عطشانين وآباؤكم عندهم الماء أفلا يسقونكم؟ الله يا أولاد أكرم من آبائكم وعنده أكثر ممّا عند آبائكم، فإن سألتموه أعطاكم. فقولوا: يا ربنا اسقِنا. مدّوا يا أولاد أيديكم الصغيرة وافتحوها، فإن الله لا يردّها فارغة. قولوا: يا ربّ اسقنا، يا ربّ ابعث لنا المطر. لا تُعِيدوا كلامي يا أولاد كأنه درس محفوظات. قد عرفتم ماذا نريد فقولوا ما يخطر على بالكم، فإن الله يسمعكم، كل واحد منكم يدعو وحده فالله يسمعه.
ودعا الأولاد وصدقوا الدعاء، واختلطَت الأصوات، أصوات الصغار وأصوات الكبار، وعلا البكاء، ونسي كلٌّ مَن يقف معه لأنه لم يعُد ينظر يميناً ولا شمالاً بل ينظر إلى الأعلى، إلى العلوّ المطلَق لا العلوّ المادي، لا يكلّم أحدٌ أحداً، ولكن كل واحد منهم يخاطب ربه رأساً.
وكانت ساعة ما وجدت في حياتي مثلها إلاّ مرّات معدودات في التسع والسبعين سنة التي عشتها (إلى يوم كتابة هذه الحلقة). كانت القلوب كمدّخرات (بطاريّات) فارغة، فشحنها هذا الموقف بالطاقة شحناً كاملاً. لقد أحسسنا المذلة أمام الله فجعلَنا نحسّ العزّة بالله. لم نعُد نرجو في تلك الساعة غيره، ولا نخاف غيره، ولا نتوجه إلاّ إليه، ولا نطلب إلاّ منه.