للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعلَنة، ولكننا والله ما أمرنا بها ولا أقررناها ولا رضيَت بها قلوبنا، وإننا يا ربّ لا نملك إلاّ ألسنتنا وأقلامنا، وقد كلّت ألسنتنا وانبرَت أقلامنا ونحن نقول ونكتب، نقول للناس: الربا حرام، الزنا حرام، الكذب حرام، الغشّ حرام، كشف العورات حرام، الاختلاط بين الرجال والنساء حرام، الحكم بغير ما أنزل الله حرام حرام حرام. فما سمعوا منّا، فما ذنبنا يا ربّ؟

يا ربّ لا تعاملنا بعملنا ولكن برحمتك، ولا تأخذنا بعدلك ولكن بفضلك.

وحاربَنا كثيرون وصرفوا الناس عن الخروج معنا، ولكن الناس خرجوا، وقاموا ساعتين كاملتين في وَقْدة الشمس، ومدّوا أكفّ الضراعة وصرخوا من أعماق القلوب. فكّروا في الأسباب البشرية كلها، فلما رأوها لا تستطيع أن تسوق المطر يجلل البلاد ويعمّ البلاد، فتمرع الأرض وتعيش المواشي ويدرّ الضرع وتفيض الينابيع، ولمّا رأوا أن المطر لا يُشترى بمال الأغنياء ولا بقوّة الأقوياء ولا بعلم العلماء ... قطعوا قلوبهم عند ذلك عن الأسباب كلها لأنهم أيِسوا منها، وربطوا قلوبهم بالله وحده، ثم صرخوا: يا الله، يا الله!

ولم يعُد أحدٌ ينظر إلى أحد، ولم يعُد أحدٌ يفكّر في مال ولا ينظر إلى جاه ولا سلطان، ولم يعُد للدنيا وجود في تلك الساعة في قلوب الذين اتصلَت قلوبهم بالله وحده، فامتلأَت بالخشوع وفاضت من ذلك العيون بالدموع، وارتجّت تلك السفوح من قاسيون بـ «يا الله»، فردّدَت صداها صخور الجبل، وردّدَت

<<  <  ج: ص:  >  >>