للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما جئنا كراتشي قلت: واشوقاه إلى طعام بغداد! فلما أوغلنا في الشرق وبلغنا جاكرتا تمنيت أن أجد مثل طعام كراتشي!

ولما قعدت إلى العشاء أول يوم وصلت فيه إلى جاكرتا رأيت على طرف المائدة في الفندق طبقين صغيرين، طبقاً فيه زبد وطبقاً فيه شيء أحمر ما شككت في أنه مُربّى. وماذا يكون قد وُضع إلى جنب الزبد إن لم يكن فيه المُربّى؟ فأخذت بطرف السكين شيئاً من هنا وشيئاً من هناك ووضعته في فمي، وإذا بي أضع في فمي -والعياذ بالله- جمرة ملتهبة! وإذا هذا الشيء الأحمر نار حامية: نوع من الفلافل التي لم نسمع بها ولا نقدر على تصوّرها، وإذا القوم الذين يألفونها ويحبّونها يأخذون من هذا الشيء مثل رأس الدبوس بِعيدان دقيقة كالتي تخلّل بها الأسنان، وأنا أخذت منها ما أخذت، فماذا تظنونه فعل بي؟ لقد بقيت يوماً كاملاً لا أستطيع أن أُدخِل فمي شيئاً، وإن كنت قد أخرجت منه من مبتكَرات الشتائم ومن غرائب السباب ما نفّست به عن نفسي وأذهبت به غيظي، ولكنه ذهب كرصاصات تُطلَق في الهواء لا تصيب أحداً، لأنني قلته بالعربية وهم لا يفهمونها، فكانوا ينظرون إليّ وأنا أهدر بهذه الشتائم وأشير إلى فمي وأحرك بأصابعي حركة من يدلّ على أنها النار المحرقة، فكان المهذّب منهم يبتسم وغيره يضحك، لا يدرون ماذا حلّ بي.

والعجيب أن الخبز مفقود، وإذا طلبت قطعة من الخبز في الفندق الكبير الذي يقدّم الطعام محسوباً ثمنه مع أجرة المنام فإنك تُضطرّ أن تدفع ثمن الخبز، لأنه ترف ولا يدخل في قائمة الطعام! وإنما يأكلون الرز المسلوق بلا ملح ولا سمن، هذا الرز

<<  <  ج: ص:  >  >>