ومعركة ردّ الاستعمار الياباني أثناء الحرب الثانية أنهم أقوى الناس على مكافحة الطغاة، ولهم زهو بأوطانهم التي يحتاج إليها كل بلد في الدنيا ولا تحتاج -إن شاءت- إلى أحد.
ولقد قلت لكم إن الطيارة لما حوّمت في سمائها لتهبط فيها رأيت شاطئاً متعرجاً تداخل فيه البحر والبرّ، فكان رؤوساً وجزراً صغاراً وخلجاناً وبحيرات وبِرَكاً، ورأيت مدينة واسعة بيوتها مُغطّاة بقباب خضر من ذُرى الأشجار لا تكاد تبين، فإذا وضحت المشاهد واقتربت الطيارة من الأرض لم ترَ فيها بناء ضخماً ولا عمارة عالية (وأنا أصف ما رأيت لمّا زرتها)، ولكنها جميعاً كالبيوت التي تُباع في مخازن لعب الأطفال، جدران من اللبِن والخيزران والخشب الملوّن، وسقوف من القرميد مستطيلات متعارضات مائلات من كل جانب على الأسلوب الهولندي.
ذهبنا مرّة في رحلة حول جاكرتا، فأخذنا نعلو في سفوح متصلة وجبال شَجْراء، لا كما تعرفون من جبال لبنان مثلاً، حيث تتناثر أشجار الصنوبر كل عشرة أمتار شجرة، بل هي غابات كغابات إفريقيا التي ترونها في الأفلام، سقوف خضراء فوقها سقوف تحجب عين الشمس أن ترى المكنون من أسرارها؛ طبقات من الخضرة بعضها فوق بعض، كل واحدة بلون، ففي الأعالي أشجار النارجيل (جوز الهند) تكاد تمسّ برؤوسها ذيولَ السحاب، وهي كالنخيل تماماً لا يفرق بينها إلاّ بالثمر، ولكنها أطول. ولم نرَ القِرَدة التي تقول القصّة إنها لا تقطف إلاّ بأيديها، يضربها الناس كما زعموا بالحجارة فتضربهم بالنارجيل! ولم نرَ ما ادّعاه ابن بطوطة أنها شجر يثمر ثمراً كرؤوس بني آدم، ولعلّه