سورابايا إلى ما قبل الاستقلال أكبر مدن جاوة، فلما صارت جاكرتا (باتايا) العاصمة وثبت فجأة حتى صارت من مدن العالَم الكبار.
والعرب في سورابايا كثيرون ولهم مدارس كثيرة، وفي سورابايا مساجد واسعة عامرة بالمصلّين، ولقد بلغَت المساجد في أندونيسيا قبل زيارتي إياها بسنتين، بالإحصاء الرسمي، مئة وخمسة وسبعين ألفاً ومئة وستة عشر مسجداً، وبلغت المعاهد الدينية أربعة عشر ألفاً وستمئة وستة وتسعين معهداً.
* * *
كانت أيامنا في سورابايا حركة دائمة كأننا في قطار سريع لا يقف ولا يتمهل.
أخذونا يوماً نرى أطراف البلد وداروا بنا حتى دار بي رأسي، فتركتُهم مرّة يصعدون درباً صخرياً في جبل يزورون فيه مسجداً قديماً وتسللت إلى رحبة مكشوفة على جنب الطريق، وكانت أوائل الليل قد غطّت على تلك المشاهد الفواتن، فلم أكن أرى إلاّ ذُرى الأشجار من تحتي تبدو من خلالها سطوح القرية النائمة في حضن الجبل، ووجدت حجارة مصفوفة فقعدت على واحد منها. وكنا في أعقاب العيد، وكانت الرحلة قد امتدّت بي شهوراً طِوالاً، فذكرت بلدي وبناتي، وكان بيني وبين بناتي ربع محيط الأرض، فاستشعرتُ الوحدة والضيق. وتنبّهت فإذا هذه الحجارة التي قعدتُ على أحدها قبور وإذا أنا في مقبرة القرية، فازددت وحشة وضيقاً، وثَقُلَت عليّ هذه الغربة وهذه الوحدة وأحسست كأن قلبي يذوب من الشوق حتى لَيقطر دموعاً من عيني. وإني