أحبّ اليوم أن تُولُوني المزيد من انتباهكم، فإن هذا الحديث صعب. حاولتُ أن ألخّص فيه حوادث ثلاثمئة سنة في خمس عشرة دقيقة، فما تسمعونه مني في الدقيقة الواحدة صرّم الدهرُ في تأليفه عشرين سنة.
ولئن كان صعباً عليكم سماعه وتتبُّعه لقد كانت كتابته أصعبَ عليّ، لأني قرأت أكثر من ألف صفحة وسألت رجالاً كثيرين في تلك البلاد حتى قدرت على كتابة هذه الصفحات العشر. لا أقولها منّاً عليكم، فلكم المنّة إن استمعتم أمثال هذا الحديث وتركتم ما يُطرِب ويسلّي ممّا تذيع الروادّ، ولكن لتعرفوا قدر ما بذلته فيه.
هذا الحديث عن دخول الإسلام ودخول الاستعمار إلى أندونيسيا، يتلوه حديثان من جنسه: حديث عن جهاد الأندونيسيين واستقلالهم، وحديث عن الأحزاب والجمعيات في أندونيسيا. على أني لا أستطيع أن أعرض عليكم من هذا كله إلاّ إشارات، لأن التفصيل في الكلام عن أندونيسيا يحتاج إلى كرسي مستقلّ في الجامعة وسنة كاملة ينقطع إليه فيها المدرّس والطلاّب.
ويا ليت الجامعات في البلاد الإسلامية تجعل من موادّها تدريس اللسان الأندونيسي الذي يتكلم به أكثر من مئة وخمسين مليوناً من المسلمين في أندونيسيا وفي الملايا (ماليزيا)، واللسان الأردي الذي يتكلم به أكثر من ثمانمئة مليون في الباكستان والهند منهم مئة وخمسون مليوناً من المسلمين.
وبعد، فكيف دخل الإسلام إلى هذه الجزر النائية حتى صار منها اليوم أكبرُ دولة إسلامية في الدنيا، وأكثرها ناساً، وأغناها