للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومرحلة من ١٩٠٤ إلى الحرب الأولى، كانت مرحلة تغلّب وظفر، فقد تمّت السيطرة على أكثر الملوك والحكومات، فمنهم من استسلم فبقي له اسم بلا حكم وكيان بلا سلطان، ومنهم من حارب وحده فغُلب.

وكان الذي مكّن للمستعمرين أمورٌ فيها عبرة لنا جميعاً، عبرة لمن يريد أن يعتبر بغيره، أولها: هذا التفرّق والانقسام؛ لقد كان في كلّ جزيرة دولة لها علَم ولها جيش، مع أن اللسان واحد والدين واحد والأرض واحدة، وما من داعٍ لهذا التعدّد إلاّ خوف الحاكمين على سلطانهم.

والثاني: أن الأرض كان أكثرها ملكاً للزعماء والناسُ يعملون كالدوابّ فيها، تَشبع الدواب وهم لا يكادون يشبعون، فلما استمال المستعمرون هؤلاء الزعماء اتخذوهم سَوطاً فضربوا به الناس، حتى إذا أمنوا الناس عادوا إليهم فضربوهم هم بسوطهم.

والثالث: هذه الحرب الاقتصادية المنظَّمة التي لم تكن تعرفها تلك النفوس الطيّبة التي لا تزال على الفطرة. أضرب عليها مثالاً واحداً: لمّا ازدهرت صناعة الدخائن (السجائر) الوطنية سنة ١٩٣٣ وأقبل الناس عليها، جاءت الشركات الأجنبية فاشترت كل ما أنتجته المصانع الأندونيسية فوضعوه في مخازن أعدّوها له، وأمرّوا عليه غازات كيميائية تُفسِد طعمه ولا تبدّل شكله، ثم عرضوه في الأسواق. فلما أخذه الناس أصابهم منه السعال والمرض فضاعت ثقتهم بالمصنوعات الوطنية وأعرضوا عنها حتى ماتت وأغلقت معاملها.

<<  <  ج: ص:  >  >>