للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفراش وأمي تسهر عليهم تذود البقّ عنهم، تمسكه ثم تلقيه في كوب فيه الماء أو تُدني منه مصباح الكاز (إذ لم يكُن في الدار كهرباء) فترميه في بلورة المصباح، وكانت اللّحُف لا تكفي فكانت تغطّيهم بالبساط. تسهر الليل كله تذكر ما كانت فيه وما صارت إليه، تقطع الليل بآهاتها وتذيب آلامها في دموعها، لا يرى بكاءها ولا يسمع شكواها إلاّ ربها. وكانت مؤمنة راضية عن الله صابرة على ما قضاه.

افترقَت أسرتنا. أما عمتي فقد سكنت عند ابنة خال لها، هي أم حلمي حبّاب (الخطاط) ومعها جدتي. وأما نحن أنا وأمي وإخوتي فهنا، وكان عمر أخي سعيد ثلاثة أشهر فقط، فنشأ لا يعرف أباه. بل إن أخي عبد الغني لا يعرفه تماماً، وكذلك أخته الصغرى. وكان بيني وبين أخي ناجي أقلّ من ست سنوات، ولكنها في تلك السنّ تبدو كبيرة، فأنا شابّ وهو ولد، لذلك شعرت من أول يوم أن العبء أُلقيَ عليّ.

ولم يكُن لنا مورد إلاّ معاش التقاعد الذي عُيّن لأبي، وهو قليل، ومعاش الإمامة التي كانت لأبي في جامع رستم، وهو مسجد صغير إلى جنب هذه الدار، فوُلّيت إمامته مكان أبي، وكان راتب الإمامة مئة وخمسين قرشاً في الشهر. وكانت له تلاوة جزء من القرآن في جامع سنان باشا في باب الجابية، فوُلّيتها بعده وراتبها خمسون قرشاً في الشهر.

ولم نجد مَن يَمدّ إلينا يداً بمساعدة إلاّ خالي الأستاذ محب الدين الخطيب، صاحب «الفتح» و «الزهراء» والمطبعة السلفية في مصر، فجعل لشقيقته (أمي) جنيهين مصريّين في الشهر. وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>