وإن العادة تثبت بمرّة واحدة كما يقول بعض الفقهاء: فمن لم يدخل في عمره ملهى يصعب عليه دخوله، وإن قدّرنا هذه الصعوبة بالرقم وقلنا بأنها مئة مثلاً، فإن دخله مرّة كانت صعوبة الثانية عشرين بالمئة فقط، وإذا دخل المرّة الثانية قعد في المكان الذي اقتعده أول مرّة.
من تجارِبي أنني كنت أحاول تصحيح عادات بنتي من الصغر، فكان الأهل يعجبون مني حين أقول للطفلة التي لم تكمل الأربع: لا تفتحي فمك عند المضغ، وأحرّك فكّي أمامها كأني آكل وفمي مُغلَق أو آكل أمامها فعلاً من غير أن أفتح فمي. أعلّمها بالقول وبالفعل، وهذه هي سنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام، المعلّم الأعظم، حين علّم المسلمين أحكام الصلاة ثم صلّى أمامهم وقال «صلّوا كما رأيتموني أصلّي»، وحجّ معهم أو حجّوا معه، وقال لهم بعد أن لقّنهم أحكام الحجّ:«خُذوا عني مناسكَكم». وأعلّم البنت كيف تغسل يدها بالصابون، فما كانت تعرف كيف تمسكها وكلما أمسكَت بها أفلتت منها، فقلت لها: أمسكيها باليمين وحرّكي أصابعك قليلاً، ثم انقليها إلى الشمال فحرّكي أصابعك، وكرّري ذلك. فتعلّمَت كيف تغسل يدها بالصابون.
وكنت من حين تظهر أسنان الطفلة آتيها بفرشاة صغيرة وأعلّمها كيف تستعملها من فوق لتحت ومن تحت لفوق، لا أشرح ذلك باللسان فأجعل منه معادلة كيمائية أو قاعدة نحوية لا نفع منها ولا داعي إليها، بل أصنعه أمامها وأقول لها: اعملي مثلي. وخيرٌ من ذلك أن أعمله من غير أن آمرها صراحة بعمله، بل أجعلها هي تقلّدني فيه. ثم لمّا كبرَت قليلاً علّمتُها كيف تستعمل