للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحزن ويهوّن الألم، عاشت هي وبنتها في أوربا سنين طوالاً جداً، فما بدّلَت حجابها ولا غيّرت ثيابها. بل إن بنتها هادية وكانت في مدرسة ألمانية (وهي آخر مدرسة في ألمانيا بقيَت -بفضل مديرة متمسكة عجوز- خالية من الاختلاط ومقصورة على البنات) فدخلَت المعلمة الفصل فوجدت حفيدتي في نقاش مع رفيقاتها، وعلَت أصواتهن يتناقشن في أمر الحجاب الذي تتخذه، فسألَت المعلمة ما الخبر، فقلن لها إنهن يتناقشن في الحجاب، فقالت لهادية: إنني أعطيك عشر دقائق لتقومي فتشرحي للطالبات سبب اتخاذك هذا الحجاب. وكانت تُحسِن النطق بالألمانية، حتى إنها أخذت فيها الدرجة الأولى وسبقت بنات الألمان أنفسهن، فشرحت ما تعرف من أمر الحجاب، وبيّنت حكمه في الإسلام وفوائده وما يدفع عن البنت من ضرر، حتى اقتنعنَ وسكتنَ ولم تعُد واحدةٌ منهن بعد ذلك إلى التعرّض لها.

وقدمَت بنتي في إحدى الإجازات إلى عمان، وكنا فيها، فاجتمعَت عند طبيب أسنان في غرفة الانتظار بجماعة من النساء المتكشّفات السافرات، اللواتي يحسبن التقدّم والرقيّ بتقليد الأجانب عنهن واتباعهن في سلوكهن. فلما رأينها متحجبة أحببن أن يسخرن منها فقُلن لها: من أي قرية جاءت الستّ؟ فقالت: من قرية تُدعى جنيف. وكانت تُقيم فيها يومئذ مع زوجها وأولادها، وحدّثَتهن عن حياتها فيها فخجلن من أنفسهن وسكتن عنها وأكبرنها. وكانت لطول بقائها في تلك الديار تُحسن الألمانية وتكاد تُحسن الفرنسية وتعرف كثيراً من الإنكليزية، فكان ذلك درساً لهؤلاء المقلّدات المتحذلقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>