من خير مُحضَراً قد سبقه على الدار الآخرة، لأن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً. وإن تبيّن لي أن ادّعاء المرض كان باطلاً وأن التقرير أُعطيَ زوراً أحلتُ الطبيب الذي وقّعه على النيابة العامّة، فلقي عندها جزاءه في الدنيا عاجلاً، ولَعقاب الآخرة أشدّ وأبقى.
* * *
ومن طرائف أخباري في القضاء أنه كان من رفاقنا في المدرسة الابتدائية سنة ١٩١٨ تلميذ اسمه عبد الحكيم مراد، أبوه الشيخ سعيد مراد الذي كان أستاذاً في كلية الحقوق في دمشق. وكنا أصغر تلميذين في الفصل، نتكلم العربية الفصحى، فيضحك رفاقنا منا وربما أساؤوا إلينا، ورأى ذلك أبي فكان السبب في نقلي إلى مدرسة أهلية هي المدرسة الجقمقية التي سبق الكلام عليها.
ومرّت الأيام وصار الأستاذ عبد الحكيم محامياً وصار شاعراً أديباً، ولكنه يكتب بأسلوب عجيب. ألّف كتاباً كبيراً سمّاه «جبر القيمة» كنا نمضي سهرات في قراءته، أنا ورفاقي سعيد الأفغاني وأنور العطار وحسني كنعان ومَن كان معنا يومئذ من الإخوان، نقرؤه فلا نفهم منه شيئاً، ونتخذه وسيلة إلى التسلية وملء الوقت الفارغ، ونعمل من فقراته نوادر نتفكّه بروايتها. جاءني مرة محامياً في دعوى فأبرز دفاعاً مكتوباً، أقول لكم الحقّ: لقد قرأته فما فهمت منه شيئاً، فقرأته جاهراً به بعض الجهر ليسمعه من كان حولي، ثم سألته أن يوضح ما فيه بدفاع شفهي فقال كلاماً طويلاً أعقد مما جاء في الدفاع المكتوب.