للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصريح، أو الإجماع الثابت أو القياس الظاهر؛ ذلك هو العلم. «العلم قال الله وقال رسوله» كما قال الشافعي أو نُقل عنه أنه قاله. على أنه لا يجوز لمسلم إن صحّ له الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يردّه بقول قائل غير معصوم، وهذا ما كانوا يصرّحون به حتى في أشدّ عصور التقليد المذهبي (راجع حاشية ابن عابدين وما قال في أولها).

وهذا كله للعالِم الذي يستطيع أن يميز الأدلة صحيحها من سقيمها، ثم يفهم الصحيح إن وصل إليه ويقدر أن يستنبط منه، ليس هذا للناس جميعاً، العالِم منهم والجاهل والعاقل والأحمق.

ولا بُدّ من بيان أن الأحاديث ليست في هذا سواء؛ فمن الأحاديث ما لا يحتاج إلى فقه كبير في فهمه كجهر الإمام بالبسملة أو الإسرار بها، هذه مسألة يدركها كل من سمع الحديث الصحيح لأنه إما أن يكون قد جهر بها أو أسرّ. ولكن من الأحاديث ما لا يفهمه إلا عالِم أو طالب علم متمكّن، ولو ضربتُ الأمثلة لذلك لخرجتُ عن الموضوع ثم لم أستطع أن أعود فأدخل فيه.

ولمّا كنت صغيراً أطلب العلم من نحو سبعين سنة كان التقليد هو الأصل، بل لقد صار الاجتهاد خروجاً على الأصل وذنباً يُحاكَم من يُتّهَم به، كما اتُّهم شيخ مشايخنا في دمشق الشيخ جمال الدين القاسمي.

وأوجبوا على المسلمين اتّباع مذهب من المذاهب الأربعة، وكانوا يحفّظوننا: «وواجبٌ تقليدُ حَبْرٍ منهُمُ». ولست أدري مَن أوجبه؟ وعلّمونا أن الاجتهاد قد سُدّ بابه. ولست أعلم مَن سدّه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>