للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأستاذ الفقيه الشيخ مصطفى الزرقا- لمّا اخترنا في قانون الأحوال الشخصية العدول في توريث ذوي الأرحام عن قول الإمام محمد المفتى به إلى قول الإمام أبي يوسف، لأنه أسهل على الناس وأرفق بهم، أبى ذلك علينا شيخنا العلاّمة مفتي الشام الشيخ محمد شكري الأسطواني. وهذا تضييق على الناس ليس في الشرع ما يوجبه ولا ما يرغّب فيه ويدعو إليه، والدين لم ينحصر في مذهب واحد ولا في المذاهب الأربعة مجتمعة بحيث لا يجوز الخروج عليها ولا مخالفتها، على أن تكون مخالفتها بالدليل الشرعي.

ولكن الذين وضعوا مشروع قانون الوصية في مصر أرادوا الخروج من هذا الضيق فوقعوا فيما هو أبعد عن الحقّ، حين خالفوا الحديث الصحيح الذي تلقّته الأمّة كلها بالقبول وانعقد عليه الإجماع، فجوّزوا الوصية للوارث ولغيره بالثلث وبأكثر منه. ولست أدري إذا كانت هذه المادّة لا تزال موجودة في قانون الوصية وقانون المواريث أم أنها عُدّلت وبُدّلت، فإن كانت باقية فإنه يجب وجوباً شرعياً تعديلها.

لقد أمضينا مع الشيخ محمد فرج ساعات طويلة في المناقشة فيها. والوصية منحة من الشارع ليست حقاً طبيعياً، لأن الإنسان إذا مات لم يعُد يفكّر بمنح ولا منع، ولو أرادهما لما أطاعته جوارحه، ولو كان مفتاح الصندوق الذي فيه ماله تحت وسادته لم يستطع بعد موته بربع ساعة أن يمدّ يده إليه. إنه ميت، فكيف يتصرّف الميت بماله؟ إن تصرّفه بثلث المال بعد موته وصية، واعتبار إرادته بعد أن فقد التحكّم فيها منحة من الشارع، فلا يجوز أن نتعدى الحدّ الذي حدّه لها الشارع.

<<  <  ج: ص:  >  >>