للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتريته؟ قلت: احزرن. قلن: بالله عليك إلاّ أن قلتَ. فأخبرتهن بأن الرجل تلميذي وقد خدمني بعيونه فباعني برأس المال وهو كذا. قلن: لقد زاد عليه ثلاثين بالمئة. قلت: مستحيل. قلن: ما قولك إن ذهبَت فلانة الآن (لجارة لهن خيّاطة) فجاءت بالقماش نفسه من المحلّ نفسه بحسم ثلاثين بالمئة؟ قلت: أنا أدفع الثمن وأُهدي إليها القماش.

وذهبَت من فورها إلى الدكان التي اشتريت منها، ورجعَت بعد ساعة وقد أخذته بثلثَي الثمن الذي دفعته أنا، لتلميذي البارّ الذي حلف أنه لا يبيعني إلاّ برأس المال!

* * *

ورأيت يوماً في طريقي إلى المحكمة امرأة كأنها جبل من الشحم واللحم، تميس لا كغصن البان بل كجذع السنديان على ساق أضخم من خصر إنسان، ومعها خادمة رقيقة العظم نحيلة الجسم بادية السقم، ما أظنّ أن عمرها يزيد على سبع سنين. وتحمل للمرأة ولداً عمره ثلاث، ولكنه صورة مصغَّرة لها يُشبِهها كما يشبه الفيلُ الصغير الفيلَ الكبير، منفوخ نفخ الكرة لا يُعرَف طوله من عرضه إلاّ بالحساب والجبر والمثلثات، ولا يُحيط به ذراعها النحيل ولا ينهض به جسدها الهزيل، وهي تخطو به تجرّ قدمها جراً من الإعياء وتلهث من التعب، والمرأة تخطر متعالية.

ففكّرتُ أن أكلّمها وفتّشت في ذهني عن الكلمات التي تصلح لها، ولكني رأيت رجلاً مكتهلاً قد سبقني إليها فقال لها: ياستّ حرام هذه البنت، خذي الولد منها. فوقفت الستّ

<<  <  ج: ص:  >  >>