أن منهم أيضاً آل أباظة) هؤلاء عرب جاؤوا من غرب مصر، من الشمال الأفريقي، فدخلوا واديها فصاروا على مرّ الأيام من أهلها. وإن وقفتم معي وقفة قصيرة حدّثتكم حديثهم الذي سمعتُه من الأستاذ عبد الرحمن عزام باشا، لمّا كان سفير مصر في بغداد وكنت مدرساً فيها سنة ١٩٣٦ (١٣٥٤هـ).
هل تعرفون نظرية الموجات البشرية في جزيرة العرب التي ألّف فيها خالي محب الدين الخطيب كتاباً صغيراً من أكثر من نصف قرن؟ إن جزيرة العرب تكاد تكون الموطن الأول للبشر، فهي تموج بأهلها مَوَجان مياه البحر، تدفع كلُّ قبيلة مَن تكون أمامها حتى تخرج آخرُها من حدود الجزيرة، فتمضي غرباً إلى مصر، كما مضت موجة قديمة تحمل «مينا» أول فراعنة مصر ومؤسّس الأسرة الأولى، أو تمضي شرقاً إلى أرض الرافدَين (العراق)، أو تمرّ إلى الساحل الشامي فتستقرّ فيه ثم تُبحِر منه، كما فعل الفينيقيون الذين أسّسوا في الشمال الإفريقي مدناً كان منها قرطاجنّة (قرطاجة) التي صارعت يوماً روما يوم كانت روما سيدةَ القارات الثلاث، وأخرجت القائد الذي غلب يوماً روما سيدة القارات.
لقد حدّثني الأستاذ عبد الرحمن (رحمة الله عليه وعلى الدكتور عبد الوهاب، وهو عمّه) أن القبائل في الشمال الإفريقي صورة مصغَّرة لِما كان في الجزيرة، تدفع قبيلةٌ من أقصى الغرب القبيلةَ التي تليها، وهذه تدفع التي بعدها، حتى تدخل آخرُ واحدة وادي مصر فتكون من أهل مصر.