ورأيت مَن كان معي في الطيارة يؤمّون موضعاً يتجهون إليه يأخذون منه حقائبهم، فسرتُ من حيث ساروا، فوجدت نضداً مستطيلاً عليه الحقائب يمشي بها، بطيئاً مشيه، فكلما أبصر أحدهم متاعه مدّ إليه يده فأخذه ومشى، حتى مشى الناس كلهم وانقطع سير الحقائب، وبقينا أنا وزوجتي واقفَين لم نتسلّم متاعاً ولم نقضِ من وقوفنا وطراً. فذهبتُ فكلّمتهم فما فهموا عني وكلّموني فما فهمت عنهم، فأدركت مبلغ الخسارة التي خسرتُها حين لم أُحسِن النطق بالفرنسية. وماذا ينفعني أن أفهم ما قرأت من روائع أدبها وبدائع بيانها، وأنا لا أدري كيف أستعملها للسؤال عن متاعي؟! على أن الفرنسية لم تعُد شيئاً أمام الإنكليزية التي فرضها نشاط أهلها على ربع العالَم؟ ولقد قلتُ قديماً مقالة حقّ لا مقالة عربي يتعصّب للسانه: إن العربية في الدرجة الأولى بين الألسُن واللغات، والدرجة الثانية والثالثة شاغرتان فارغتان لا شيء فيهما، وفي الدرجة الرابعة الفرنسية، أما الإنكليزية فتأتي متأخرة ولكن نشاط أهلها هو الذي قدّمها.
انصرف الناس وبقيتُ حيران لا أنصرف. و «حيران» ممنوع من الصرف إذا كنتم لا تزالون تذكرون ما درستم من قواعد اللغة العربية. هنا، وعند شدة الضيق يأتي الفرج؛ جاء الفرج من البحرين. والنسبة إليها عند العرب «بحراني»، ولكنهم (ولست أدري لماذا) لا يحبّون أن يُدعى أحدهم بها. وباب النسب عند العرب أكثره سَماعي، فإن نسبوا إلى المدينة المنوَّرة (بنور الإسلام) قالوا: «مدني»، فإن وجدتم بين المحدّثين من اسمه «المَديني» فهي نسبة إلى مدينة المنصور، أي إلى بغداد أول