البيض من أدب أدبائها بالطين. أين آداب الفروسية؟ إن الفارس الشريف يكفّ عن المبارزة إذا سقط السيف من يد خصمه فبقي بلا سلاح لأن المسلّح الذي ينازل أعزل لا يكون فارساً شريفاً، فكيف ضربت فرنسا يومئذٍ دمشق بمدافعها؟ كيف خرّبَت وأحرقت أجمل أحيائها، ما بين سوق الحميدية وسوق مدحت باشا، حيث كانت أبهى وأغلى بيوت دمشق؟ اقرؤوا كتابي «هتاف المجد» إن أردتم تفصيل هذا الإجمال وكتابي «دمشق»(١).
لقد بقي هذا الحي أطلالاً سنين وسنين، ولمّا أعادوا بناءه أخيراً بقي اسمه إلى اليوم «حيّ الحريقة». وأحرقوا طرفاً من «الميدان»، حي الأشاوس من كرام أهل الشام.
واسترد الفرنسيون قلب البلد (دمشق)، وبقيت أطرافها بأيدي الثوار أكثر من سنة. كنا نرى «الاستحكامات»(أي أكياس الرمل) وراءها الرشاشات في «الجسر الأبيض»، وهو مجمع الطرق إلى أحياء السفح، إلى المهاجرين والصالحية وحيّ الأكراد (ركن الدين)، وكلها خارج حدود البلد، وفي باب الجابية والميدان كله وباب سريجة، وقصر حجاج خارج حدود البلد، وداخل الباب الشرقي قرب مكتب عنبر وما بعده خارج حدود البلد، وفي وسط العقيبة أمام جامع التوبة وما بعده خارج حدود البلد، والغوطة كلها خارج حدود البلد، أي في أيدي الثوار.
(١) في كتاب «دمشق» وصف بليغ لهذه الأحداث؛ انظر مقالة «كارثة دمشق» ومقالة «خرائب الدرويشية في دمشق». وانظر في «هتاف المجد» مقالتَي «حوادث دمشق» و «جهاد دمشق»، ثم اقرأ بعدها «كلمة إلى الجنرال ديغول» فإنها تستحق أن تُقرَأ (مجاهد).