وقد أرشدنا الله إلى أن الآخرة هي المُراد وقال للمسلم:{وابْتَغِ فيما آتاكَ اللهُ الدّارَ الآخِرةَ}، ولكنه عقّب فقال:{ولا تَنْسَ نَصيبَكَ مِنَ الدّنيا}. وما أحسنَ الدينَ والدنيا إذ اجتمعا، وإن كان الدين لا يقابل الدنيا ولكن تقابلها الآخرة، والدين منهج كامل لكليهما يضمن لمن يتبعه السعادةَ فيهما.
هذا هو الإسلام وكذلك يكون إحياؤه، لا كإحياء الغزالي الذي كان حُجّة الإسلام وكان المفكّر الإسلامي الأول، ولكنه لمّا جنح إلى الصوفية وظنّ أنها «المُنقِذ من الضلال» اختلط عليه الأمر فلم يَعُد يتبيّن الطريق، والحمد لله على أن المسلمين ما نهجوا منهجه في «الإحياء». تصوروا ماذا يكون حال المسلمين لو أن كل واحد منهم قلل الطعام حتى ذوى جسمه وأصابه السقام، وترك طلب العلم انتظاراً لعلم يأتي عن طريق الكشف والإلهام، وأوى إلى ركن مُنزَوٍ غارق في الظلام؟ وهذا ما حثّ عليه الغزالي ودعا إليه، الغزالي الصوفي لا الغزالي المفكّر الفقيه الإمام. لو فعلنا هذا (ونحن يومئذ بين أخطر عدوَّين عرفهما تاريخنا القديم: الصليبيين، والمغول والتتار)، ماذا كان يبقى من دولة الإسلام؟
وأنا أحب الغزالي من يوم أهدى إليّ شيخُنا الشيخ عيد السفرجلاني (وأنا تلميذ عنده في المدرسة الابتدائية سنة ١٣٣٨هـ) رسالته «بداية الهداية»، على أنني من حبي للغزالي أحمد الله على أنه ما مات حتى عرف أن المنقذ من الضلال ليس الصوفية، بل المنقذ من الضلال الدليلان الظاهران على جانبَي الطريق والنيّران الهاديان إلى الغاية المقصودة، اللذان لا يضلّ مَن استضاء بضوئهما ومشى على هديهما، وهما: الكتاب والسنّة.