للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صفحات القلب بمداد العيون. قصة هذا الولد الذي كان يسأل أمه: أين بابا؟ فلا تستطيع أن تقول له إن بابا سجين، وتداري دمعها وتغالب بكاءها، تقول: إنه مسافر. فيقول: متى يعود بابا ياماما؟ فتقول: يعود قريباً ياحبيبي. فيرقب عودته، إن رأى طعاماً طيّباً قال: سأحفظه لبابا، وإن ألبسوه جديداً أبى وقال: ألبسه يوم يعود بابا، وإن بكت أخته الصغرى أسكتها وقال: اسكتي غداً يأتي بابا. وطالت الأيام وهو يوفّر الملاليم التي يأخذها ليشتري بها الحلاوة لبابا، فجاء بابا، وكانت الفرحة الكبرى، وقدّم إليه الحلوى وقعد هو على ركبة بابا وأخته على الركبة الأخرى، يقبّل هذا خداً وتقبّل تلك خداً ويقولان: لماذا أطلت الغيبة يابابا؟ لا تسافر مرة ثانية يابابا.

فماذا يقولان الآن وقد سافر مرة ثانية ولكن إلى حيث لا يعود المسافرون؟ وبماذا تُجيب الأم إن سألاها: أين بابا ومتى يعود بابا؟ وإلى متى ينتظران يوفّران له الملاليم ويُعِدّان له الحلاوة؟ وإلى متى يحتمل قلب الأم لذع النار وهما يسألان كل لحظة: أين بابا؟ هل تقول لهما: إن أباكما العالِم الجليل، المجاهد المناضل، قد شنقه عبد الناصر؟ فما ذنب هؤلاء ياعبدالناصر؟ ما ذنب هذه الأم؟ بل ما ذنب الرجل الذي قتلته وفَجعتَ به هذه الأسرة وحطّمت به هذه القلوب؟ أكل ذلك لأنهم قالوا لمعاهدتك هذه إنها عمل غير صالح؟ أتحسب أنك تهنأ بمجلسك وحولَك زوجُك وأولادك، وخيار المؤمنين تركتَ زوجاتهم أرامل وأولادَهم أيتاماً وبيوتَهم في وحشة المقابر؟

يا عبد الناصر، جزاك الله بما تستحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>