للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمامي غاية أعمل على بلوغها. الشاب حياته أمامه وأنا أيامي قد خلّفتها ورائي، أياماً طويلة رأيت فيها ضياء النهار يعقبه ظلام الليل، ورأيت ظلام الليل يأتي بعده ضياء النهار، شهدت هذا المشهد أكثر من عشرة آلاف مرّة فاستوى عندي الضياء والظلام.

سررت وتكدّرت، فإذا السرور الآن وإذا الكدر ذكرى في النفس لا شيء منه في اليد، لا الفرح دام ولا الآلام. شبّهت يوماً لذّات الدنيا بالسراب، وهأنذا أعود إلى هذا التشبيه؛ أعود إليه وأنا أعلم أن أثقل الكلام الحديث المُعاد، ولكني لا أجد تشبيهاً أدق منه ولا أصدق ولا أقرب إلى الواقع.

كنت في المدرسة أرمي إلى هدف ظاهر هو أن أرتقي من صفّ إلى صفّ، فارتقيت حتى طويت مراحل المدرسة ومن بعدها الجامعة ونلت شهادتها، فلم يبقَ لي في المدرسة ولا في الجامعة هدف أرمي إليه. ودخلت الوظيفة فكان أملي أن أعلو فيها درجة درجة، أعدّ الأيام لأصل إلى العلاوة أو إلى الترقية، فبلغت أعلى درجاتها، صعدت حتى صرت في رأس السلّم، فلم يبقَ إلاّ أن أقف (ولا يقف أحدٌ عمرَه على السلّم) أو أن أصعد، وما تحت رجلي درجة أصعد عليها، فاضطُررت إلى أن أعود فأهبط من حيث صعدت. وكذلك الدنيا:

ما طارَ طيرٌ وارتفعْ ... إلاّ كما طارَ وقَعْ

وإذا أنا في هذا كله:

أكلتُ حَلاوةً وشرِبتُ ماءً ... كأني ما أكَلتُ ولا شرِبتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>